المقالات الأخيرة

Post Top Ad

dimanche 3 février 2019

الأعشى

الأعشى شاعر جاهلي، وإن عاش حتى السنة السابعة الهجرية، وأدرك الإسلام ولكنه بإجماع جميع المراجع لم يمت مسلماً
تقول الروايات إنه في السنة التي توفي فيها، كان قد قرر أن يعلن إسلامه أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، وينسبون له قصيدة في مدح الرسول هي الوحيدة في موضوعها. وسواء كانت القصيدة له أو منسوبة إليه فإن الشاعر الأعشى أدرك الإسلام ولم يسلم
هو ميمون بن قليس بن جندل وينتهي نسبه إلى بكر بن وائل بن ربيعة
لا نعرف بالضبط متى ولد وإن كانت المراجع قد أرجعت سنة وفاته إلى السابعة الهجرية أي سنة 629 ميلادية
ويعتمد الدارسون في تحديد سنة وفاته على قصة سفره إلى المدينة للقاء رسول الله والدخول في الإسلام على يديه
علمت قريش وعلى رأسها أبو سفيان بنية الأعشى، فتعرضت للشاعر قبل أن يصل وحضر أبو سفيان شخصياً ليقنع الأعشى بالعودة إلى بلده اليمامة وترك ذلك الأمر الذي حضر من أجله. فلقد أدرك أبو سفيان كما أدركت قريش كلها أن الأعشى ما مدح أحداً إلا أعلى من شأنه ولفت الأنظار إليه. قال أبو سفيان
? إلى أين يا أبا بصير؟
ـ إلى صحابكم.. فقد آن الأوان لأدخل في دينه وأترك ما أنا عليه
? ولكن.. أتعلم إلى ماذا يدعوك؟
ـ إلى عبادة الإله الواحد
? ولكن يحرم عليك ما لا تستطيع أن تفارقه
ـ وما هو؟
? يحرم عليك القمار والربا والخمر.
فكر الأعشى ثم قال
ـ أما القمار.. فلعلني إن لقيت محمداً أن أصيب منه عوضاً عن القمار.. وأما الربا فلا دنت ولا أدنت.. أما الخمر
عند ذلك تأوه الأعشى فهو معاقر لها منذ بداية العمر.. ثم قال
ـ ما دام سيحرم علي الخمر.. فلعلّي أن أرجع إلى بقية ما زالت في المهراس فأشربها ثم أعود
قال أبو سفيان
? وماذا لو اقترحنا عليك ما هو أفضل من ذلك؟
ـ وما هو هذا الأفضل الذي تقترحه يا أبا سفيان
? اسمع يا أبا بصير.. نحن الآن في هدنة مع محمد..
ـ هدنة؟
? ألم تسمع بصلح الحديبية؟
ـ نعم سمعت..
? سنعطيك يا أبا بصير مائة من الإبل تأخذها وترجع إلى بلدك وتنظر ما يصير إليه أمرنا.. فإن ظهرنا عليه كنت قد أخذت خلفاً.. وإن ظهر علينا أتيته
بقية القصة لا نعرف مقدار صحتها تؤكد أن الأعشى أخذ المائة ناقة وعاد إلى اليمامة.. ولكن ما أن يصل حتى يسقط من فوق بعيره ويموت
عاش الأعشى محباً للمال منذ بداية عمره وحتى توفي. وفي ذلك يقول
وما زلتُ أبغي المال مُذ أنا يافعٌ
وليداً وكهلاً حين شبتُ وأمردا
كان المال وحده هو دينه ومذهبه، ولذلك لم يُشر إليه باعتناقه أي دين وحتى قصة محاولته الدخول في الإسلام غير مؤكدة.
وفي غياب الوازع الديني كان الأعشى يمارس حياة اللهو والمحرمات، ففهو مقامر من الدرجة الأولى، ضيّع كل ما جعه ولم يكن قليلاً في تلك الآفة القمار، وهو فوق ذلك معاقر للخمر تواق إلى الزنا.. ومن كلماته المأثورة:
ـ أرجع إلى اليمامة.. فأشبع من الأطيبين الزنا والخمر.
ورغم اللقب الذي لازمه طوال عمره (الأعشى) إلا أنه وكما تشير كثير من المراجع كان نافذ البصيرة، قوي الذكاء، رائع الشعر وصل فيه إلى مرتبة عالية جعلت النقاد يضعونه كواحد من أهم شعراء العرب في الجاهلية. ويكفيه أنه من شعراء المعلقات، بل من أهمهم حيث يقدمونه على طرفة بن العبد، ويلقبونه بصناجة العرب.
وما يروى عن الأعشى من حكايات أن مدحه لأي أمير أو جواد كان يسير سير النار في الهشيم بين العرب، فيرفع شأن الممدوح ويحقق له مكاسب أضعاف ما يكسبه الأعشى في المدح.
من هذه الحكايات حكايته مع المحلق الكلابي. تقول الحكاية كما أوردها أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني:
كان الأعشى يوافي سوق عكاظ ككل سنة، وكان المحلق الكتابي أباً لثماني بنات ويعاني الفقر والإملاق، ولا يستطيع تزويجهن فقالت زوجته:
? ولماذا لا تتعرض للأعشى قبل أن يسبقك إليه أحد وتدعوه وتكرمه؟.
ـ أنا أدعوه وأكرمه.. أنسيت يا امرأة أنني لا أملك في دنياي إلا هذه الناقة؟
? أذبحها له.. والله يعوضك عنها خيراً منها.
ـ ولكنه الأعشى يا امرأة.. هذا لا يمدح إلا من يدفع.
? لا تيأس يا رجل.. حاول.. ولعل الله يفرجها على يديه.
وبالفعل قام المحلق بالتعرض للأعشى قبل أن يسبقه أحد، وأمسك بخطام الناقة التي يركبها الأعشى ويقودها ولده.
? من هذا الذي غلبنا على خطام ناقتنا؟.
ـ شريف كريم..
قالها المحلق وهو ينيخ الناقة أمام بيته.
نحر المحلق ناقته الوحيدة، وكشط عن سنامها وكبدها ثم سقاه خمراً..
وأحاطت بنات المحلق الثماني يخدمنه ويمسحنه فسأل: أما هذه الجواري حولي.. 
قال المحلق: إنهن بنات أخيك.. ثماني بنات.
ولما رحل الأعشى عن بيت المحلق ووافى سوق عكاظ جعل ينشد قصيدته في مدح المحلق الكلابي، فسلم عليه المحلق فقال الأعشى.
مرحباً بسيد قومه.. ثم نادى بأعلى صوته: يا معشر العرب هل فيكم من يزوج ابنه إلى واحد من بنات الشريف الكريم؟
وما برح مكانه حتى تم زواج جميع بنات المحلق.. إلى خيرة الرجال وأوفرهم مالاً ومكانة.
ولقد أثرت هذه الحادثة في القوم وجعلت للأعشى أن امرأة جاءت إليه وقالت:
ـ يا أبا بصير.. لي بنات قد كسدن ولم يتزوجن.. وأريدك أن تشبب بواحدة منهن عسى أن تنفق، فما زال الأعشى يشبب بواحدة تلو الأخرى حتى زوجن جميعاً. وكانت المرأة تبعث إليه بجزور (ذبيحة) في كل عرس.
كان الأعشى شاعراً مبدعاً. وكأن شعره سلساً مؤثراً. جعل القوم لكثرة إعجابهم به يزعمون أنه مسكون بواحد من الجن يقوم بإيحاء الشعر له.
ولقد سئل يونس بن حبيب النحوي: من أشعر الناس؟
قال: امرؤة القيس إذا ركب، النابغة إذ أرهب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Post Top Ad

Your Ad Spot

تذييل القائمة